قبل يوم من إسدال الستار عن الدورة ال22، يأتي الموعد مع اليوم الختامي لأسبوع الفيلم الإيفواري الذي حضره مدير المركز السينمائي المغربي بالنيابة خالد السعيدي ونظيرته الإيفوارية دايموند فال جونسون، وذلك في تجسيد وتأكيد واضحيين لعمق العلاقات الثقافية المغربية- الإيفوارية والإفريقية عامة.
- ما هي حصيلة المهرجان الحالية خاصة مع المشاركة القياسية للأفلام والحضور الكبير للجمهور؟
** تعد الدورة الحالية للمهرجان مرحلة انتقالية عرفت برمجة جد مكثفة وذلك بعرض أزيد من 122 شريطا، توزعت بين 28 فيلما طويلا و27 فيلما وثائقيا و50 فيلما قصيرا، إضافة إلى 7 أفلام إيفوارية، وهي حصيلة تعد أولية، لكن لأول مرة في تاريخ المهرجان عرفت القاعات الأربع للعرض ( قاعة روكسي، قاعة ميكاراما غويا، قاعة أكازار، قاعة سينما الريف)، دخول أزيد من 8 ألاف من محبي السينما للقاعات العرض، ومشاركة 2200 مشارك معتمد، منهم ما يقارب 220 صحافيا وصحافية.
وبخصوص ساعات العرض فقد فاقت 85 ساعة في جميع المسابقات، ويعتبر هذا الرقم قياسيا جعل الدورة استثنائية لأنها قامت بدمقرطة مشاهدة الإنجازات السينمائية المغربي، كما كانت الدورة فرصة لتقديم 3 تكريمات وازنة عرفها يوم الافتتاح الخاصة بروح المرحوم نور الدين الصايل والأستاذة سعاد المريقي والأستاذ محمد عبد الرحمان التازي، على أن يعرف حفل الاختتام 3 تكريمات أخرى، ولا يجب أن ننسى اللقاءات المهنية الخمسة التي تتعلق بالقطاع السينمائي المغربي، إضافة للقاء جد مهم سيترأسه وزير الشباب والثقافة والتواصل السيد محمد مهدي بنسعيد والذي يشكل فرصة لجميع المنظمات المهنية لمناقشة واقع وآفاق القطاع، خاصة إصلاح المنظومة القانونية للقطاع.
- ذكرتم أن الدورة الحالية قياسية على جميع المقاييس، هل ذلك يجعلها مميزة عن باقي الدورات؟
** تبدو الارتسامات الأولية للمشاركين بالمهرجان بجميع أصنافهم إيجابية، وسنحرص بعد انتهاء المهرجان مباشرة على وضع تقييم لمنظومة التنظيم الثقافي والفريق الفني والامتيازات التي عرفتها الدورة من أجل العمل على تثبيتها واستثمارها في الدورات المقبلة، وفي بداية شهر أكتوبر سنبدأ العمل بجد للدورة المقبلة.
- اليوم هو موعد اختتام أسبوع الفيلم الإيفواري، كيف ترون مستقبل العلاقات المغربية الإفريقية في مجال السينما ؟
** إن الثقافة المغربية الأصيلة متجذرة في إفريقيا، وكما لاحظتم في عروض الأفلام الإيفوارية فإن عدة مواضيع نتقاسمها نحن المغاربة مع باقي شعوب قارتنا الإفريقية. وحاليا، نحن متيقنون من التعاون المغربي الإفريقي في مجال السينما خاصة مع الدول الصديقة التي يرتبط معها المغرب بعلاقات ديبلوماسية وسياسية وثقافية.
يعتبر عبد الصمد بنشريف من الإعلاميين المغاربة الذين يجمعون بين الفكر والثقافة والممارسة المهنية، لذلك يكون حضوره متميزا على مستوى التحليل. وفي هذا الإطار حرصنا على استقراء رأيه في المهرجان، خصوصا أنه تابع كل فعالياته.
- ما هو تقييمكم للدورة 22 من المهرجان الوطني للفيلم من حيث التنظيم وجودة الأفلام المعروضة؟
** يصعب علي أن أصدر حكما مطلقا إزاء هذه الدورة وأن أحيط بمجمل ما قدم من عروض سينمائية للجمهور، لكن بالنظر إلى السياق الزمني الذي نُظمت فيه، بعد سنتين من الارتباك والتوقف جراء تفشي فيروس كورونا، فمن المؤكد أن هذه العودة مؤشر قوي على الرغبة في الاستمرارية وإعادة الروح والحياة للسينما المغربية.
فيما يتعلق بالجانب التنظيمي، يبدو أن معظم الشروط المطلوبة قد توفرت، سواء من حيث اللوجيستيك أو النقل أو الإقامة أو القاعات السينمائية المحتضنة لفعاليات المهرجان، فضلا عن البرنامج العام المعتمد في تنظيم العروض السينمائية والندوات التي تم عقدها بالموازاة مع المسابقات الرسمية للأفلام بمختلف أصنافها، والتي تناولت مواضيعا بالغة الأهمية، تباينت بين "الدعم السينمائي" و"الموسيقى التصويرية" و"الثقافة السينمائية" و"السينما والجهات"، علاوة على الحضور الإفريقي الذي أكسى المهرجان بعدا من التجانس بين مختلف ثقافات إفريقيا.
تحيلنا هذه الجوانب التنظيمية التي أشرت إليها على أن المركز السينمائي المغربي والجهات الوصية واعية بأن الاحتفال بالسينما يستلزم أن يقام في أجواء تليق بالفن السابع وأهله، لما له من دور في تشكيل الوعي العام على المستوى الجمالي والفني والإبداعي، فالسينما هي أكثر الفنون شعبيةً، بمزجها بين جميع الأجناس، من شعر وموسيقى ورواية. وبالتالي فالوعي بأهمية هذه العناصر هو ربما ما جعل هذه الدورة تمر في شروط تتيح للسينمائيين والجمهور إمكانية المتابعة والمواكبة، وهي بالتأكيد نقطة تحتسب لمنظمي هذه الدورة.
من حيث المضامين يصعب علي تقديم نظرة بانورامية لمجمل ما تابعته من أفلام وندوات وموائد مستديرة، لكن عموما لاحظت جليا حضور أفلام يسرت على الجمهور تذوق معانيها، لالتزامها بقواعد السينما وحرصها الشديد على احترام وظائفها الكامنة في خلق فضاءات خصبة للنقاش وآفاق للتفكير الجماعي، على غرار بعض الأفلام التي وُفقت في نقل الإشكالات والقضايا المجتمعية الراهنة، من قبيل التطرف وإدمان المخدرات والفقر والاتجار في الأعضاء البشرية. كما لاحظت مشاركة أفلام أولت أهمية بالغة للجانب التقني على حساب المضامين، في حين غامرت أخرى في ولوج تجارب بتقنيات ومواضيع جديدة في إطار الانفتاح والتأثر بالإنتاجات السينمائية الدولية، ما قد يطرح تحديات كبرى، خصوصا في ظل صعوبة الفصل المطلق في المغرب بين السينما والمنظومة الاجتماعية والدينامية الفكرية للمجتمع.
- ما هو تقييمكم للموائد المستديرة واللقاءات التي عقدت بالموازاة مع المهرجان الوطني للفيلم؟
** لقد عكست الندوات المنظمة إلى حد ما بعض الانشغالات الكبرى للسينما، إذ لا يخفى علينا جميعا، فيما يتعلق بالدعم السينمائي مثلا، أن غياب السند والدعم المؤسساتي يحبط معظم المحاولات الإبداعية، ويؤثر سلبا على الطموحات الفردية والجماعية، لهذا أمكننا القول إن هذه النقاشات قد شكلت فرصة مميزة لخلق أرضية مشتركة للحوار بشفافية بين المركز السينمائي المغربي والسينمائيين من أجل العمل على تجاوز ما يمكن اعتباره "محاباةً" في بعض الإنتاجات السينمائية. كما تم عقد ندوات ذات طابع تقني، مثل موضوع "الموسيقى التصويرية"، كأول ندوة تعالج هذا الموضوع، تأكيدا على أهميتها وقوتها التعبيرية في الخطاب الفيلمي، في حين خصصت إحدى الندوات لمناقشة موضوع "الثقافة السينمائية" استحضرت فيها العناصر الكبرى اللازمة لكي تغدو موضوع اهتمام من طرف الجمهور والنقاد وأهل الاختصاص، وذلك عبر توفير دعامات من قبيل المؤسسات التعليمية والإعلامية لتكريس التربية الجمالية، خصوصا في ظل تلاشي نسبة الإقبال على القاعات السينمائية بفعل رهان المنافسة الرقمية ومنصات التواصل الاجتماعي، ما يفرض علينا دراسة نقدية وموضوعية دقيقة له، والتعامل معه كما هو كائن، لا أن نغض عنه الطرف ليزداد تعقيدا وجموحا، وبالتالي فمن الضروري الإلمام بمجمل هاته العناصر.
في هذا الإطار، لابد لنا بداية من تحديد ماهية "الثقافة السينمائية"، أهي المشاهدة والمواكبة المستمرة للعروض السينمائية أم الإلمام بتاريخ السينما أم المعرفة النقدية عبر فهم الموسيقى ومكونات الفيلم وشعريته وتفكيك الصورة؟ بغوصها في عمق هذه الأسئلة الكبرى كانت الندوة غنية بنقاش مهم أتاح الفرصة لتبادل الأفكار بين الجمهور والسينمائيين والنقاد. إلا أن الأهم بالنسبة إلي هو أن تُستَثمَرَ هذه اللقاءات عبر توصيات وحلول تُجنبنا طرح نفس الإشكالات والأسئلة في الدورات المقبلة. ومن أجل تحقيق هذه الغاية يستحسن أن يتم تقييم حصيلة كل دورة في نهايتها بدراسات دقيقة، بأفلامها وندواتها وظروف انعقادها وتنظيمها، وأن تشكل هذه الدراسة وثيقة مرجعية للاطلاع عليها، تفاديا لما قد يُرتكب من أخطاء قد تؤثر على سيرورة تدبير الأنشطة والتظاهرات الفنية المبرمجة مستقبلا.
- ما الثغرات التي رصدتموها في فعاليات هذه الدورة؟
** "روكسي" قاعة تاريخية، لكن يستحسن التفكير في طرح بديل أفضل من حيث الخدمات، خصوصا فيما يتعلق بالولوجيات، من أجل تسهيل ولوج ذوي الاحتياجات الخاصة إلى القاعة، كما أني لاحظت غيابا للندوات الصحافية مع مخرجي الأفلام السينمائية المعروضة، وهنا يجب أن نميز بين نقاش الفيلم بعد عرضه والندوة الصحافية التي تتيح مجالا أوسع من الحرية للإعلاميين للحديث عن تفاصيل وخبايا قد لا تكشف في النقاش الذي يثار بعد العرض. هناك أيضا حضور قوي ومجاني للغة الفرنسية في الأفلام السينمائية المغربية، فتقديس هذه اللغة بإقحامها اللامبرر في كتابة عناوين الأفلام وأسماء الطاقم في الجينيريك قضية يُستعصي عليّ تفسيرها، ويجب على لجان الدعم أن تكون العين التي تتابع هذه المسألة، فتكوين المخرج باللغة الفرنسية لا يعفيه من مخاطبة المشاهد بلغته الأم، مادام مغربيا يوجه أعماله للمغاربة.
النقطة الأخيرة التي أريد الإشارة إليها، في هذا الصدد، هي ضرورة تهذيب لغة الإنتاجات السينيمائية، فالإبداع لا يعني النقل الميكانيكي للواقع بـ"سوقيته"، فعمل السينيمائي لا ينأى عن الروائي الذي يبدع ليبني عالما افتراضيا من شخوص وفضاءات وقصص، وبالتالي فمن الضروري توظيف لغة ترقى بالمشاهد وتهذب ذوقه.
- ما رأيكم في رقمنة فعاليات هذه الدورة؟
** أعتقد أن مسألة الرقمنة في الوقت الراهن غدت خيارا لا مناص منه، بعدما أضحت الخدمات مرقمنة في جل القطاعات، ما يمكن المنظمين من معرفة الشرائح والفئات التي تابعت المهرجان وأنشطته، ومنه الحصول على أرقام دقيقة وواقعية حتى لا يتم إحصاؤها بطريقة ارتجالية واعتباطية.
- ما دلالة حضور وجوه شبابية جديدة في مستقبل السينما المغربية؟
** حضور الطاقات الشابة في المهرجان الوطني للفيلم عنصر إيجابي بالنسبة للسينما المغربية، فقد لاحظنا شابات وشباب في الإخراج كما في الأدوار البطولية، مثل الشابة ضحى مستقيم التي لا يتجاوز سنها 23 ربيعا وكثير من المخرجين الذين قدموا أفلامهم في أول تجربة سينمائية، وبالتالي أعتقد أن هذه المشاركة الشبابية ستشكل حافزا للطاقات لتفجير مواهبها، لكن هذا يتطلب في المقابل الاستمرار في العمل بجد وتلافي الثقة المبالغ فيها، حتى لا نسقط في الكسل الفني والجمالي. فالممثل كما المخرج والسيناريست والمصور الكفء والناجح هو من يواكب المتغيرات بتكوين ذاته دون انقطاع ثم يستمر في الإبداع في جل ما ينتجه، فلا بد له من التمكن من موضوعات أفلامه والإلمام بخباياها، من أجل معالجتها بالشكل السليم، لذلك يحبذ وضع الشخص المناسب في مكانه المناسب، وأن يتولى كل فرد ما هو أهل له من اختصاص، لا أن تُجمَّع كل الأدوار والتخصصات في يد شخص واحد، فبذلك نفقد جودة العمل السينمائي.
- في رأيكم، ما هي دلالات عقد أسبوع للفيلم الإيفواري بالمغرب؟
** تعتبر السينما جزءا من الديبلوماسية الثقافية، هناك دول كثيرة تحضر في المهرجانات السينمائية المغربية منها الأوروبية والإفريقية، لكن لحضور دولة الكوت ديفوار في الدورة الثانية والعشرين للمهرجان الوطني للفيلم دلالات قوية بخصوص متانة العلاقات التي تربط بين البلدين، والثقافة جزء لا يتجزأ من هذه الديبلوماسية، فاستضافة دولة عبر منتوجها السينمائي، بحضور سفيرها ورئيسة المؤسسة الوطنية للسينما الإيفوارية يساهم في توطيد العلاقات وتمتين الجسور وتبادل الخبرات والتجارب، وكذا الاطلاع على الإنتاجات السينمائية في كلا البلدين، كما أن هذا النوع من التظاهرات ينسف الجدران المصطنعة التي قد تكون سببا في مواقف سوء تفاهم بين الشعوب والمجتمعات. فهي بالتأكيد مسألة إيجابية يتعزز عبرها الحضور الإفريقي في المستوى السياسي والاقتصادي والثقافي وكذا الإعلامي تأكيدًا على الانتماء لهذا الفضاء الشاسع جغرافيا وثقافيا.
يعيش الفن السابع المغربي نقصا مهما من حيث الثقافة السينمائية، فدورها المركزي في إيصال رسائل المخرج إلى عقول المتفرجين، يدفع بالحاجة الملحة لتشجيعها في الوسط السينمائي المغربي، وهذه المهمة هي ما تحاول "الجمعية المغربية لنقاد السينما" البحث عن سبل تنفيذها.
اتفق مخرجون في ندوة الجمعة، على هامش المهرجان الوطني للفيلم بطنجة، على ضرورة حضور الحس الثقافي تجاه السينما لدى المخرجين المغاربة ورصدوا أسباب غيابها وسبل تطبيقها.
جاء ذلك في ندوة بعنوان "الثقافة السينمائية بالمغرب" المنظمة من قبل الجمعية المغربية لنقاد السينما، ضمن فعاليات الدورة الـ22 للمهرجان، الذي يعرف مشاركة 105 فيلما موزعة بين 28 فيلما طويلا و22 وثائقيا و50 قصيرا.
وفي مداخلته، اعتبر المخرج محمد الشريف الطريبق، أن تناقص الوعي بأهمية دور النوادي السينمائية بالمغرب أسس لغياب ثقافة سينمائية حقيقية تظفي الجمالية والرمزية على الأعمال المنتجة، وهو الأمر الذي أدى إلى طغيان المفهوم التجاري على السينما المغربية.
وأضاف الطريبق أن جيل الخمسينيات تأثر بالنوادي السينمائية التي شكلت منبع أفكارهم وتوجهاتهم الإيديولوجية المنعكسة في أعمالهم الفنية السينمائية، غير أن عددا مهما منهم ستتغير أفكاره جراء التلاقح الزمني مع الأحداث السياسية والعسكرية كالحرب العالمية الثانية، والتي شكلت انطلاقة حقيقية لبروز فكر جديد في الثقافة السينمائية.
وأردف المتحدث أن الأوساط السينمائية بالمغرب كانت تترقب حصول ثورة "سينوفيلية" حقيقية، لكنها لم تخرج للوجود رغم تشبع عدد من المخرجين بالثقافة السينمائية ونجاحهم في توظيفها في أعمالهم السينمائية، وهو الأمر الذي جعل تصنيف المخرجين المغاربة لا يخرج عن "السنوفيليين" والمخرجين العاديين.
من جانبها، لفتت الكاتبة الصحافية والمخرجة أسماء بنعومر في مداخلتها بالندوة، إلى غياب جسر يربط بين الجيل القديم والجديد من المخرجين وهو ما يعيق اكتساب الجيل الحالي الخبرة والتشبع الثقافي الكافيين، مؤكدة في الوقت ذاته حاجة المخرجين الشباب الذين شاركوا في المهرجان الوطني للفيلم بطنجة إلى الاستفادة من المعلومات والقدرة على امتلاك ثقافة سينمائية حقيقية تساهم في إضفاء الطابع الإبداعي والجمالي على أعمالهم المستقبلية.
ضمن فعاليات المهرجان الوطني للفيلم بطنجة، شهد اليوم السابع عرض أربعة أفلام قصيرة، بقاعة ألكازار، وهي "صمت عايدة" للمخرج أحمد مسعودي، و"السالبة" لرشيد العلالي، و"البرقع" لصاحبه وحيد سنوجي، و"التهور" للمخرج خالد الغوات. وفي هذه النافذة حوار مع صاحب فيلم "البرقع" حول الصعوبات التي اعترضته لإخراج مولوده الفني إلى الوجود، والذي يتحدث عن مجموعة أناس، -منهم امرأة مسلمة من أصول مغربية-، ينتظرون في عيادة طبيب أسنان في الديار الأوربية وبالضبط هولندا، وفي الوقت الذي ينتظر كل واحد منهم دوره، ستتعرض المرأة المسلمة لمعاملة عنصرية من طرف امرأة هولندية.
- ما هي الصعوبات التي واجهتك لإنجاز هذا الفيلم؟
** العمل في السينما ليس سهلا، وفيلم "البرقع" هو ثالث فيلم قصير أشتغل عليه، وهنا تجدر الإشارة مرة أخرى، كما سبق لي وتحدثت داخل القاعة، أني أخرجت عدة أعمال سينمائية، لكن للأسف لم أستطيع المشاركة بها كلها، نظرا لانعدام الدعم، وبالتالي كان من الضروري اختيار فيلم واحد فقط، وهو الذي شاهدتموه الآن، إنه فيلم يتحدث عن الإسلاموفوبيا في الديار الهولندية.
- من أين استلهمت فكرة الفيلم؟
** جميع الأفلام التي أقوم بها مستوحاة من وقائع أعيشها، وقد كنت في البداية أريد أن أنتج قصة قصيرة، تتكون من ثلاثة أفلام قصيرة، أو يمكن القول ثلاث لوحات تشكيلية، واحدة تكمل الأخرى. تحت عنوان "اللحية" و"الحجاب" و"البرقع"، لكن تعذر علي ذلك نظرا لغياب الدعم. وبخصوص فكرة الفيلم، فأنا أعيش بالديار الهولندية وعندما تعايش مجموعة من المسلمين يعيشون بالديار الأوربية، فبطبيعة الحال ستلاحظ تعرضهم للعنصرية، واختياري لهذه المواضيع يتمثل في كوني أميل إلى إغناء النقاش الذي يفتح بعد مشاهدة الفيلم، ليس فقط داخل القاعة وإنما لكي يصبح الموضوع تيمة من التيمات المجتمعية بقوة. وحتى لا يبقى حبيس السينما.
- ما هي الرسالة التي أردت توجيهها من خلال فيلمك؟
** بالنسبة إلي لا أحدد رسائل بقدر ما أطرح الأسئلة، و في النقاش الذي يلي الفيلم تطرح أسئلة أخرى –ربما لم تخطر ببالي- أسعى للإجابة عنها فيما بعد، وهناك أسئلة لا أجد لها أجوبة، وحواري مع الجمهور يسهل علي ذلك.
- هل تفضل الاشتغال في السينما أو التلفزيون؟
** لم يسبق لي الاشتغال في التلفزة، وبالتالي ليست لي تجارب تلفزيونية، وأرى أن السينما مختلفة تماما عن التلفزيون، وهذا لا يعني أنني لا أفكر في الاشتغال بالتلفزة مستقبلا، لكنها فكرة مستبعدة حاليا، لأنني أرى نفسي في هذه الأثناء في السينما أكثر من أي شيء آخر.
- لماذا اخترت هولندا لتصوير الفيلم؟
** اخترت هولندا لأنني أعيش فيها وأنتمي إلى شريحة مغربية. فأنا مغربي، ومهاجر، وأتقاسم مع مجموعة من المهاجرين نفس الأحلام، ونفس المعاناة، لذلك حاولت تجسيد شيء من هذا الواقع.
يشارك المخرج والسيناريست "ابراهيم شكيري" في المسابقة الرسمية للأفلام الطويلة بالمهرجان الوطني للفيلم بطنجة في دورته الـ22 من خلال فيلم " العودة"، فبعد أفلام بارزة ك"الطريق إلى كابول" و"حديدان عند الفراعنة"، يسعى شكيري لتقديم عمل مميز يكسب به إعجاب الجماهير وجائزة الفيلم الطويل.
- نعلم أنه قد تعذر عليكم الحضور للمهرجان رغم مشاركتكم في مسابقة الفيلم الطويل من خلال فيلمكم " العودة"، ما هي الأصداء التي وصلتكم؟
** المهرجان الوطني للفيلم هو اللقاء الذي يترقبه كل مخرج وممثل مغربي، مع الأسف تعذر علي الحضور للمهرجان لأسباب خاصة، لكن الأصدقاء المحظوظين الذين حضروا المهرجان عبروا لي عن إعجابهم بالمستوى التنظيمي لهذه الدورة، وهو ما جعلني أغبطهم على حضور هذه التظاهرة الفنية المهمة والتي اشتقنا إليها كثيرا بعد غياب لمدة عامين بسبب فيروس كورونا، خاصة أن دورها لا يقتصر على كشف النقاب عن جديد الفن السابع المغربي، بل يمتد إلى تحليل ومناقشة مشاكل القطاع وإبراز الحلول وآراء الفاعلين.
- ما هي قصة فيلم "العودة"؟ وما هي الرسالة التي سعى إلى إيصالها؟
** فيلم " العودة" هو تجسيد لقصة كفاح أم مغربية من أجل إنقاذ ابنها من شبح التطرف، فبعد أن غادرها في لمح البصر إلى سوريا وتم تجنيده للجهاد ضمن إحدى الجماعات المتطرفة، ستتحدى "الباتول" وهي الأم الصعاب من أجل ضمان عودته بسلام، لكن طريق ذلك لن تكون سهلة إذ ستعترضها مجموعة من المخاطر، وهي القصة التي حاولنا اللعب فيها على وتر الأمومة ودورها الكبير في حياتنا، فالكل يجب أن يعي بعد مشاهدته للفيلم الدور البطولي الذي تلعبه أمهاتنا وآباءنا، فهم مستعدون في أي وقت للتضحية بحياتهم من أجل ضمان سلامتنا، وهذه هي الرسالة المركزية التي حاول الفيلم إيصالها، إذ ستخاطر "الباتول" بحياتها من أجل ضمان سلامة ابنها ولو تطلب ذلك السفر إلى سوريا ومواجهة الجماعات المتطرفة.
- كيف كانت ظروف تصوير الفيلم وكتابة السيناريو؟
** تصوير الفيلم أخذ منا وقتا وعملا كبيرين، فكتابة السيناريو وحدها استغرقت أزيد من 3 سنوات ولولا المساعدة التي تلقيناها من المركز السينمائي وكذا ملاحظات عديد من الخبراء، لم نكن لنستطيع إنتاج عملٍ بهذا المستوى، إضافة إلى أن الإنتاج كان مرهقا للغاية، تزامنا مع الإمكانيات البسيطة التي حاولنا التكيف معها لإنتاج عرض يناسب أذواق وتطلعات الجمهور، كما أن رسالة الفيلم التي نسجت بطابع إنساني توفقنا في توضيحها للمتلقي من خلال إضفاء الطابع الرمزي على المشاهد الدرامية.
- ما هو جديد المخرج ابراهيم شكيري؟
** رغم تعذر حضري للمهرجان ومشاهدة الأفلام المشاركة، فإني مقتنع أن السينما المغربية ينتظرها مستقبل باهر خاصة مع الحضور الشبابي الذي بدا واضحا في السنوات الأخيرة.
حاليا، أشتغل على إخراج مسلسل "الهبوب" الذي أتمنى أن ينال إعجاب الجمهور المغربي.
عادة ما تحرص الأفلام في استقطاب جمهورها إلى القاعات السينمائية على حضور طابع الكوميديا ولو نأى عنه قالب الفيلم، وهو ما يلحظه بجلاء متابع الأفلام الروائية الطويلة والقصيرة المعروضة بالقاعات السينمائية في المهرجان الوطني للفيلم بطنجة، ما يدفعنا إلى التساؤل حول الوظيفة الحقيقية للكوميديا في السينما المغربية بين رأي يرى أنها إمتاع للمشاهد وتكسير لرتابة القصة، وآخر يعتبرها مجرد تأثيث للفيلم بمشاهد ارتجالية. أمام هذه المفارقة، حاورنا بعض النقاد السينمائيين اللذين قيموا كل من وجهة نظره الخاصة، مستوى المقاطع الكوميدية المعروضة في الأفلام السينمائية المغربية.
الناقد عبد الكريم واكريم:
أغلب الأفلام تقحم الكوميديا بشكل غير وظيفي
إن أغلب الأفلام الكوميدية المغربية المشاركة في المهرجان الوطني للفيلم بطنجة توظف الكوميديا بشكل فج وغير وظيفي، بحيث نشاهد في الفيلم قفشات ومشاهد كوميدية وكأنها مُقحَمَة عنوة ولا تصب في السياق الدرامي للقصة، مع بعض الاستثناءات القليلة كفيلم "كرين كارد" للمخرج هشام الركراكي، الذي احترم قواعد الدراما والكوميديا، حيث تحضر في الفيلم "كوميديا الموقف"، ولا نجد الممثلين يبتزون الضحك من المشاهدين، بل تتكلف المواقف بذلك، عبر مشاهد ضاحكة ومفارقات كوميدية تدخل في السياق الدرامي للفيلم وحبكته.
للأسف أن أفلام الكوميديا المبتذلة هي عادة الناجحة في القاعات السينيمائية. شخصيا، لست ضد نجاح أي فيلم كيفما كان، لكن حينما يقترن هذا النجاح بما هو فج وسوقي، لا يسعنا كنقاد ومشاهدين سوى أن نضع الأصبع على مكامن الخلل والنقص، ونعلن أن هذا الذوق لا يُنَاسِبُ ما نرجو أن يسود فنيا، لكن عموما هناك أفلام تثلج الصدر رغم قلتها كما أشرت سابقا، نتمنى أن نشاهد مثلها في القادم من الأيام من أجل الرقي بذوق الجمهور، وهو الدور الأساسي للسينمائي أو الفنان بشكل عام، إذ يجب ألا ينزل الفيلم الكوميدي إلى الجمهور، بل أن يجعل هذا الأخير يصعد إليه ليسمو به، وقولة "الجمهور عاوز كده !" لن تبلغنا هذا الهدف، خصوصا في صنف الكوميديا.
الكاتب والناقد ادريس القري:
على المشاهد الكوميدية أن تكون هادفة
النوع الكوميدي ليس سهلا، فاذا كان الفيلم السينمائي عامة يتطلب الجمع ما بين العمل التقني والموضوعي، فالكوميديا يجب أن تكون إلى جانب ذلك هادفة، حمالة قيم ومعاني، ليس بمعنى التثقيف بالضرورة، بل فقط ألا تتناول المواضيع بأسلوب سوقي مميع يعبث بمستوى المتلقي. غير ذلك فإن بعض الأفلام الدرامية المعروضة في المهرجان من قبيل: "جبل موسى" لإدريس المريني، "جرادة مالحة" لادريس الروخ، "لو كان يطيحو لحيوط" لحكيم بلعباس، تعطي نفسا جديدا للسينما المغربية باحترامها للقواعد وتشكيلها لنوع من التناغم والتجانس بين السمعي والبصري، وهي نقطة تحتسب لهذه الدورة من المهرجان الوطني للفيلم. لكنها مع الأسف تبقى محدودة لا تتجاوز لحد الآن حوالي 5 أفلام تشكل فتحة نور في السينما المغربية.
الناقد عادل السمار:
تجميع مواقف كوميدية مفتعلة لا يعطينا فيلما كوميديا
اهتمام السينما المغربية بعلاقات وروابط تاريخية واجتماعية جمعتنا مع مجتمعات جنوب الصحراء الافريقية أمر مطلوب ومحمود، ولكن على هذه الأعمال الفنية ألا تسقط في فخ إعادة إنتاج الرواية الأوروبية في علاقتها مع القارة، والتي ارتبطت خاصة بالسياق الاستعماري الذي شكل فيما بعد طبيعة هذه العلاقة التي اتسمت بنوع من التعالي والوصاية.
الكوميديا كنوع سينمائي مطلوب في كل فيلموغرافية وطنية، وهي تغطي أيضا الجانب الترفيهي للسينما الذي من حق الجمهور التمتع به. لكن هل يمكن فعلا أن نطلق اسم "سينما" الكوميديا على موجة الأفلام "الكوميدية" التي يعرفها المشهد السينمائي المغربي في السنوات الأخيرة؟ حقيقةً لا أظن ذلك. لأن تجميع "اسكيتشات" ومواقف كوميدية مفتعلة لا يعطينا بالضرورة فيلما كوميديا، لأن الفيلم الكوميدي كنوع له قواعده وضوابطه الفنية والإبداعية.
اختيار المقاربة الكوميدية هو اختيار لمقاربة موضوع ما أو السخرية منه، كما قد يكون وسيلة انتقادية للواقع. وعادة ما يتم توظيف الكوميديا في مثل هذه الحالات لكونها تمس جمهورا أوسع، لكن يبدو أن موجة الأفلام الأخيرة تخلط بين الكوميديا والتفاهة، كما تبنى على تفاهة مكرسة عبر التلفزيون، وتستثمر الوجوه والذوق الرديء الذي صنعه هذا الأخير لتجذبه لقاعات السينما، وهذا ما نلاحظه مثلا من افتقاد ثقافة تذوق الفيلم السينمائي في القاعات السينمائية، كما يطرح وجود هذه الأفلام "الكوميدية" في المهرجان الوطني للفيلم إشكالية كبيرة تتعلق بالبعد المهني للمهرجان وهويته.
مراسل الوكالة الإفريقية للأنباء هشام العلوي:
الكوميديا مكون رئيسي في الصناعة السينمائية
الكوميديا مكون أساسي من الصناعة السينمائية، وعنصر مهم يُخرِج المتتبع من رتابة القصة وحبكتها، يحسن العمل السينمائي كما يحسن الملح مذاق الطعام. وحسب ما لاحظته مما عرض لحد الساعة من أفلام سينمائية طويلة وقصيرة بمناسبة المهرجان الوطني للفيلم بطنجة، فإن الكوميديا تبقى ظاهرة محمودة وصحية للجمهور، تجذبه لمتابعة أحداث الفيلم وقصته رغم طولها، لتضفي على الفيلم السينمائي طابعا متميزا.
يعتبر ادريس الروخ من المخرجين المغاربة الذين بصموا على النجاح في السنوات الأخيرة، وحرصوا على أن تتنوع إنتاجاتهم السينمائية دون أن تفقد الطابع الخاص المميز لها، حيث يشارك في هذه الدورة من المهرجان بفيلم "جرادة مالحة" الذي ترك انطباعا جيدا بعد عرضه لدى النقاد والجمهور. وفي هذه النافذة، يقدم الروخ رأيه في تنظيم المهرجان وسيره وما يميز عمله الجديد وأشياء أخرى.
كيف ترى المستوى التنظيمي للمهرجان الوطني للفيلم في دروته الـ22 الذي عاد بعد توقف اضطراري لعامين، بالمقارنة مع الدورات السابقة؟
** أول شيء يجب أن نشد عليه بحرارة هو عودة المهرجان بعد سنتين من التوقف بسبب الظروف التي عاشها العالم، والمرتبطة بكورونا وما صاحبها من توقف فني وإبداعي سواء على مستوى التنظيم والممارسة، أو على مستوى الاحتفال بالسينما كدعامة أساسية لتنوير العقول وتغيير أشياء كثيرة في دواخلنا، وإبعاد كل القلق الذي صاحبنا لفترة طويلة.
العودة ميمونة وذات صلة بخلق دينامية إبداعية وسينمائية لمجمل المشتغلين في المجال، من تقنيين ومخرجين وكتاب سيناريو ومنتجين وأصحاب القاعات وغيرهم، وستخلق انسجاما في صفوف المحتفى بهم والجمهور وصناع السينما، وسَتُعِيدُ الصورة إلى شرايين المبدع والحياة إلى ذهنه وقلبه، وستجعله جسر تواصل مع الجمهور، وهذا ما يدفعنا إلى التفاؤل بشأن مستقبل السينما المغربية، وإبعاد ما يمكن إبعاده من أشياء تقلق بالنا وراحتنا ومستقبلنا.
على المستوى التنظيمي، يجب أن نصفق بحرارة على كل القائمين على المهرجان لأنهم يقومون بمجهود كبير جدا واحترافي وذا جودة عالية على مستوى تنظيم العروض السينمائية، سواء المتعلقة بالأفلام الطويلة أو القصيرة أو الوثائقية أو حتى بأسبوع الفيلم الإيفواري، وبالتأكيد فإن هذه الخلطة الإبداعية الجديدة يقف من ورائها أناس دووا بُعدِ فني وإبداعي استطاعوا أن يحولوا فضاءات طنجة إلى فضاءات ثقافية وسينمائية بامتياز، وأن يخلقوا بداخلها حركية إبداعية وفنية ورواجا ثقافيا ببعد إنساني.
إن الأجواء التي يمر فيها هذا العرس الاستثنائي الوطني صحية، لأنها تخلق تنوعا وانسجاما حقيقيا بين مكونات الجسد الفني من جهة، وتخلق مساحة للتواصل بين الجمهور ومكونات المجال الفني، فضلا عن أنها تجعل الدورة الحالية تتفوق على سابقاتها شكلا ومضمونا، بالرغم من كثرة الأعمال المعروضة.
ختاما، لقد أصبحت بلادنا تتمتع بتجربة كبيرة في تنظيم هذا النوع من المهرجانات، وهو أمر يبعث على الارتياح ونباركه بشكل كبير ونعتز به.
أنتم مخرج له باعٌ طويل في إخراج الأفلام الطويلة، ما الذي يميز فيلم "جرادة مالحة" المشارك في مسابقة المهرجان عن أفلامك السابقة؟
** فيلم "جرادة مالحة" يتعرض لمناحٍ متعددة انطلاقا من فكرته وموضوعه ومحتواه ورسائله، مرورا ببعده التقني والفني والنفسي، وانتهاء بحمولته المستقبلية وغيرها، وما يميزه هو طريقة تناوله وأسلوبه، فهو جنس سينمائي يهتم بـ"البسيكولوجيا" و"البسيكودراما"، حيث يتحدث عن النفس والذاكرة وأشياء من هذا القبيل تجعل المتلقي يرتبط ارتباطا وثيقا بكل حيثيات الفيلم، ويحاول انطلاقا من فكرته إلى كتابة السيناريو وإخراجه وتجميعه وتقديمه الاعتناء بالتفاصيل والجزئيات لتصبح بنية متكاملة انطلاقا من كل فعل على حدة.
والإشكال الذي يثيره الفيلم هو السؤال حول الآن والذات والذاكرة والمصير، وحول طريقة فهم ما يحدث في عوالمنا، أي بين أن تصبح هذه العوالم أكثر عمقا وجوديا وأن تكون ذات بعد نفسي قادر على مخاطبة الذات والروح وكل مكونات المجتمع، لذلك فهو يثير الأسئلة التالية: هل نحن واعون بما يحدث لنا؟ وهل واعون كل الوعي بما نحن مقبلين عليه في المستقبل؟ وهل نستطيع أن نجزئ ما يقع لنا وما يقع لهم؟
كل هذه الجزئيات في صراع مستمر وهي قادرة في بعض الأحيان على إبعادنا عن ذواتنا ومجتمعنا، لذلك يحاول الفيلم خلق انسجام مع المستقبل وترابطا وثيقا مع الماضي، انطلاقا من أن ما حدث في الماضي هو ما يحدث الآن وقد يقع في المستقبل بأبعاد ذات خطورة في بعض الأحيان، لكن يجب فهمها ومناقشتها ودق جرس الإنذار لفهم أبعادها المختلفة سواء السياسية أو الاقتصادية أو ذات علاقة بالسيطرة والتحكم في مجريات لعبة كبيرة جدا لا نستطيع لحد الآن أن نتدخل في فك ألغازها، وأن نفهم مَن وراءها ومَن يحاول أن يسبر أغوارها.
ورغم قصته التي تتحدث عن "رانية"، فإن الفيلم يتحدث من داخل فضاء مغلق، حيث يحاول أفراد من منظمة التحكم في مصيرها وتغيير ما في عقلها وإخضاعها إلى تجارب متعددة قد تسلب ذاتها ونفسها وماضيها وحياتها، وكما يحاولون خلق شخص آخر بدلا منها بتعبير وتفكير واهتمامات أخرى، وقد تصبح في نفس الوقت بضاعة من البضائع التي يحتاجها الآخر لكي يستغلها في مآربه الخاصة.
وقد حرصنا في هذا الفيلم على أن نتحدث في العمق والداخل بأبعاد كونية ذات علاقة بالإنسان.
بعيدا عن فيلمك، الأكيد أنك شاهدت بعض الأفلام التي دخلت المنافسة، كيف ترى مستوى الأفلام المشاركة عموما؟ وهل تُشَرف السينما المغربية؟
** بصفة عامة، أعتقد أن السينما المغربية تتطور بشكل ملحوظ، ولديها أكثر من دافع للتطور، وهو التنوع ووفرة الإنتاج والقدرة على الاختلاف ومجاراة ما يقع في الخارج، إضافة إلى الاختلاف الذي يكون بين مخرج وآخر ومنتج وآخر.
تبقى هذه الاختلافات جميلة وتدفعنا إلى التنافس على مستوى الجودة والتناول وعلى مستويات متعددة للابتعاد عن النمطية، لأن السينما تصاب بالشلل إذا توقفت عند فعل واحد، ولم تتجزأ إلى أفعال مختلفة ومتعددة بتراتبية فنية تخلق تطورا في النص والكتابة والأداء، وتطورا في المنظور الجمالي واللقطة والمشهد، وكل ما يتعلق بصناعة الفيلم بمختلف جوانبه، انطلاقا من الحمولة الثقافية والفلسفية لدى المبدع إلى تلك التعابير التي تخرج في إطارات معينة ومناظر وجماليات وجسد وحركة وحوار وإلقاء وصوت وغيره.
كل هذا يجعلنا مقتنعين بأن السينما المغربية تتطور وتخلق ذاتها بشكل صحيح لمجابهة الآخر، وتقف أيضا في مصاف صناع السينما سواء تعلق الأمر بمهرجانات معينة أو تظاهرات دولية كبرى، أو نشر وتوزيع الفيلم المغربي في عدد من البلدان الأخرى، وهذا يدفعنا لأن نشتغل أكثر على الصناعة السينمائية بأبعاد مختلفة، لأن الاختلاف مهم للغاية.
يبقى فقط التأكيد على أن خلق سوق سينمائية حقيقة يلزمه وجود فضاءات لخلق الأفلام، وقاعات قرب متعددة لنشر الفيلم بجودة عالية على مستوى الصوت والصورة عبر ربوع المملكة.
علاقة الجهة المغربية بالسينما تتسم بنوع من التباعد يخلق جدلية مركزية حول ماهية الأسباب والمبررات التي تحول دون استنشاق الجهة للفن السينمائي، هذا الإشكال كان حاضرا بقوة في اليوم السادس من المهرجان الوطني للفيلم بطنجة من خلال ندوة بعنوان " السينما والجهة".
دعا عدد من النقاد السينمائيين في ندوة ضمن فعاليات المهرجان الوطني للفيلم بطنجة، الأربعاء، إلى تظافر الجهود بين جميع المتدخلين لبعث الروح في السينما على مستوى الجهات، استجابة للحاجة الوطنية.
جاء ذلك في الندوة المنظمة حول "السينما والجهة" من طرف الغرفة الوطنية لمنتجي الأفلام والغرفة المغربية لمنتجي الأفلام ضمن فعاليات اليوم السادس للمهرجان، والتي تناولت نسب الحضور السينمائي بالجهات وتفاعل الحقل السياسي مع قطاع الثقافة عامة، وحقل الفن السابع بشكل خاص.
وفي مداخلته، أرجع الكاتب والناقد ادريس القري، غياب الحس السينمائي داخل الجهات إلى انعدام الحس الوطني والمسؤولية لدى المجالس الجهوية التمثيلية تجاه الأهمية التربوية والتنموية للسينما، مضيفا أن نقص الميزانية المرصودة لدى الجهات فيما يخص القطاع الثقافي أمر غير مقبول.
من جانبه، شدد المخرج السينمائي محمد عبد الرحمان التازي على ضرورة تحمل المؤسسات الدستورية والمجالس الجهوية المسؤولية تجاه النهوض بالقطاع الثقافي، داعيا في الوقت ذاته إلى رصد ميزانية مهمة لإعادة السينما إلى الجهات المغربية، ومتسائلا عن أسباب غياب قاعات سينمائية في مدينة ورزازات التي تعتبر عاصمة الفن السابع بإفريقيا.
على نفس المنوال، صار المخرج جمال السويسي في البحث عن مكامن أسباب غياب السينما في الجهات، حيث قال إن "غياب خطة سياسية واضحة سيعصب المهام أمام تحقيق نهضة سينمائية حقيقة داخل الجهات"، مؤكدا غياب التفاعل اللازم من لدن الجهات الرسمية لعلاج المعضلة الثقافية، لافتا إلى أن الميزانيات المرصودة غير كافية لتقريب دور السينما من الجمهور داخل الجهات المغربية والتي يعاني البعض منها موتا بطيئا رغم الدور الوظيفي المهم التي تعطيه للفن السابع بالمغرب.
في السنوات الأخيرة أصبح البعد الإفريقي حاضرا في الدبلوماسية المغربية، لكن يبدو أنه تجاوز ما هو رسمي إلى الشأن الثقافي، حيث شكل المهرجان الوطني للفيلم بطنجة فرصة لإظهار الارتباط المغربي بإفريقيا من خلال تنظيم أسبوع الفيلم الإيفواري، قبل أن يُعرض فيلم في اليوم السادس للمهرجان شكل لوحة إفريقية بامتياز حين قدم في طبق سينمائي رفيع تلاقح ثقافات إفريقية.
من النادر أن يجسد شخصية البطولة في فيلم مغربي ممثل أجنبي، لكن فاطمة بوبكدي حققت قصب السبق، حين قدمت أول أعمالها السينمائية الطويلة ببطلة سينغالية أدت دور "أناطو" المرأة الإفريقية المنحدرة من جنوب الصحراء التي ستتحول إلى "رمز" في نهاية الفيلم، وهكذا فقد كان جمهور المهرجان الوطني للفيلم في يومه السادس على موعد مع فيلم مغربي بروح إفريقية يعلي من قيم التسامح والعيش والمشترك وقبول الاختلاف.
وتدور أحداث الفيلم حول قصة "أناطو" شابة من أصول سينغالية وأب فرنسي، جعلها تجانس عرقها مؤمنة بتقبل الغير وثقافته المختلفة وبإمكانية تعايش الكل مع الكل، دونما اعتبار للحدود الثقافية، تجد نفسها في علاقة "زواج متعة" مع تاجر مغربي، جعلها حبها له ترافقه إلى المغرب لتعيش معه، لتبدأ دوامة معاناتها مع محيطه وثقافته، جراء التعامل الدوني الذي وجدته والعنصرية المقيتة التي تعرضت إليها، لكن النهاية كانت حمالة قيم كبرى.
وعبر الحضور بحماس فور انتهاء عرض الفيلم عن رضاهم وارتياحهم تجاه مستقبل السينما المغربية، ما دامت في الساحة السينمائية وجوه تكافح للتجديد في أعمالها وتقديم الأفضل للجمهور، بحرصها على جمالية الصورة وتناغم الأدوار مع الممثلين، فيما تساءل البعض حول الوجوه الجديدة المشخصة لأدوار البطولة وأدائها المتميز رغم وقوفها للمرة الأولى أمام عدسة الكاميرا.
وكشفت بوبكدي في تصريحها عن المجهودات التي بذلتها في اختيارها للممثلتين البطلتين، اللتين وضعتا أولى خطواتهن في مجال التمثيل، وما أولته من أهمية بالغة لوضع الشخص المناسب في المكان المناسب، حرصا منها على تقديم عمل يليق بالشاشة الكبرى ومتابعيها، موضحة أسباب اختيارها للنهاية الدرامية للفيلم بقولها: "أناتو رمز، رمز لإفريقيا، للعطاء، للخصوبة، ورمز للنهب، ولو ماتت البطلة فالرمز لا يموت، يستمر أثره وتترسخ مبادئه، وهذا ما حرصت على إبرازه في السيناريو".
من جهته، أوضح الفنان صلاح الدين بنموسى أن دوره اقتصر على تجسيد دور الأب الخاضع لزوجته، بعد حادث تعرض له في ركوب الخيل، مما جعله مقعدا يتابع بدون مبالاة ما يجري مع عائلته، مضيفا لمسة كوميديا على الفيلم بروح دعابته.
كما عمدت بوبكدي في تشخيص الفيلم إلى إشراك ممثلين من بوركينا فاصو، السينغال، فرنسا، ليغدو لوحة فنية تصدح بروح إفريقيا، رسالتُها تجسيد التسامح والعيش المشترك بين الثقافات والشعوب.
يذكر أن فيلم "أناطو" سبق أن حاز على جوائز عدة، من بينها جائزة مهرجان البحر المتوسط في الإسكندرية، وجائزة الشاشة الذهبية بالكاميرون، والجائزة الكبرى للمهرجان الدولي للفيلم بالداخلة وجوائز أخرى، والفيلم من بطولة ميمونة نداي، ونيسيا بنغازي، وشيماء بلعسري، وعبد الله بنسعيد، وصلاح الدين بنموسى، وسعاد خويي.
الأمل سلاح مهم لتجاوز عقبات الحياة والخروج بثوب المنتصر، وهي الرسالة التي حرص الفيلم الوثائقي "الأمل" للمخرج بوشعيب المسعودي على إيصالها، حيث عرض فيلمه بالقاعة السينمائية "ميكاراما كويا" ضمن فعاليات الدورة 22 من المهرجان الوطني للفيلم بطنجة.
اليوم الخامس من المهرجان الوطني للفيلم بطنجة كان الجمهور على موعد مع عرض الفيلم الوثائقي "الأمل" لمخرجه بوشعيب المسعودي، الذي بصم على قصة رمزية شدت نفوس وعاطفة المشاهدين، ورسمت صورة إيجابية وتحفيزية لكل من عانى مرضا مزمنا أقعده الفراش وقطع طريقه نحو أحلامه.
ويحكي الفيلم قصة واقعية عن "عبد السلام"، رجل أربعيني عانى من مرض التهاب المفاصل الذي جعله أسيرا للفراش لعدة سنوات، قبل أن يقرر تحدي جميع الصعاب ويتسلح بالصبر لمواجهة المرض.
ومن أجل إعطاء فكرة واضحة عن الفيلم، قال مخرجه بوشعيب المسعودي، إن عمله جاء بعد فيلمين وثائقيين هما "أسير الألم" و"أمغار" اللذان توجا بعدة جوائز دولية ووطنية، وأضاف أن الفيلم يكشف النقاب عن المعاناة النفسية والمادية للمريض ويبسط مشاكل المرض المزمن الذي يؤدي للإعاقة، ويقدم قصة عن التحدي الذي ينبع من الأمل والذي يخفف من الصعاب ويجعلها سهلة التخطي.
وتفاعل الجمهور مع أطوار الفيلم، خاصة مشاهد الفرح والسرور التي خيمت على "عبد السلام" وعائلته بعد ولادته من جديد إثر نجاح عملية جراحية خضع لها، وبدا التأثر واضحا على الجمهور الذي حضر الفيلم، بما في ذلك النقاد السينمائيين والممثلين والمخرجين وعشاق الأفلام الوثائقية، حيث لم يكن أحد من المتابعين يعتقد أن "عبد السلام" ستظهر الابتسامة على وجهه في نهاية الفيلم، خاصة بعد بدايته المؤثرة وظهوره مُقعدا طريح الفراش بلا أمل.
وفي هذا السياق، قالت الممثلة زهور السليماني واحدة ممن شاهدوا الفيلم، إن "العرض يجعلك كمتابع تذرف الدموع خاصة بعد النهاية السعيدة لقصة عبد السلام"، وأضافت أن جودة العمل تفرض رفع القبعة للمخرج بوشعيب المسعودي الذي نجح في إيصال رسالة جوهرية وهي ضرورة التحلي بالأمل في مواجهة كل الصعاب بحياتنا.
وتستمر عروض الأفلام الوثائقية المتنافسة على الجائزة الرسمية للمهرجان الوطني للفيلم بطنجة في دورته الـ22 لليوم الخامس على التوالي، وسط منافسة قوية بين 27 فيلما وثائقيا.
بعدما كانت السينما، ولزمن قريب جدا، حكرا على الرجل، تضع المرأة المغربية اليوم بصمتها النسائية، لتدخل غمار المنافسة في الإخراج وتشخيص أدوار بطولية تخرق بها النمطية والمألوف.
تشهد الأفلام السينمائية المعروضة ضمن فعاليات المهرجان الوطني للفيلم بطنجة حضورا بارزا للنساء اللواتي أبنن عن علو كعبهن في الميدان السينمائي، بما في ذلك مجالي الإخراج والتشخيص، منهن من حُفرت أسماؤهن في الذاكرة السينمائية لما راكمنه من تجارب، وأخريات يضعن أولى خطواتهن في ساحة السينما بحثا عن التألق، مقابل أفلام أخرى تناولت قضايا المرأة بعين يفوق بُعد نظرتها حدود الكليشيهات.
ويظهر من خلال إحصاء عدد المخرجات المشاركات في المهرجان، أن عددهن يبلغ 18 مخرجة مقابل 87 مخرجا، ما يعادل نسبة 17 في المائة، فيما يشكلن نصف عدد أعضاء لجان التحكيم لكل مسابقات المهرجان (8 إناث مقابل 9 ذكور)، وتترأس المخرجة ليلى التريكي لجنة تحكيم المسابقة الرسمية للفيلم الروائي القصير.
الحضور البارز للمرأة في المهرجان لم يقتصر على الإخراج، بل تجاوزه إلى نوعية الأفلام التي تدور قصصها حول امرأة، ويتقدم فيلم "فاطمة: السلطانة التي لا تنسى" للمخرج محمد عبد الرحمن التازي قائمة هذه الأفلام التي تكشف عن الجانب غير النمطي لقضايا المرأة، وذلك من خلال الدور البطولي للممثلة مريم زعيمي، الذي جسدت من خلاله حياة الأيقونة التاريخية فاطمة المرنيسي، ونضالها لأجل المرأة الحرة المثقفة التي تنتزع حقوقها من رحم مجتمع غلب عليه الطابع الذكوري والانتصار له، لتتمكن "زعيمي" بذلك من إبراز صورة مخالفة للمرأة، بعيدا عما روجت له السينما عن النساء سابقا.
وفي الجانب الآخر، وجه سينمائي تألق في مجال الإخراج وأبدع فيه، وهي المخرجة الشابة ضحى مستقيم، ذات الـ23 ربيعاً، التي تعتبر أصغر مخرجة تخوض غمار المنافسة بفيلمها الروائي الطويل "باي باي لافرونس"، والتي اتخذت المهرجان الوطني للفيلم المنعقد بطنجة فرصة لكشف مواهبها في مجال الإنتاج، لتنافس بثقة 27 فيلما آخرا يتبارى حول جائزة المسابقة الرسمية للفيلم الروائي الطويل.
كما تعكس الممثلة هناء البواب في بطولتها بالفيلم الروائي الطويل"مرجانة"، لمخرجه جمال السويسي، صورة امرأة تناضل مرارة واقعها الاجتماعي القاسي وفكره المتحجر لتفرض صورة مغايرة للمرأة، تنال بها الحرية في تفجير مواهبها في فن الأوبيرا وترسيخه في وطنها بعدما سطع نجمها بباريس.
ولم تفوت المرأةُ المغربية فرصة التألق حتى في الفيلم الوثائقي، حيث أماط فيلم "البارديات.. قصة أنثى المحرك" للمخرج عادل اقليعي، اللثام عن تميز شابات إناث ولجن بشغف مجالا كان ولايزال حكرا على الرجل وهو "التبوريدة"، وسلط الضوء على الصعوبات التي لاقتها هذه النساء لدخول هذا المجال، ضمنها عدم تقبل الرجال فكرة منافسة "بارديات" إناث، فضلا عن سرد الفيلم لمعاناة طالما واجهتها الأنثى الشغوفة بدخول المَحرَك.
ما يجمع المغرب وساحل العاج أكثر من علاقة شراكة سياسية واقتصادية بين بلدين صديقين، بل يتعداه إلى الجانب الفني والثقافي والسينمائي، وهو ما يتجلى في تنظيم "أسبوع الفيلم الإيفواري" الذي بلغ دورته الرابعة، والذي انعقد على هامشه لقاء جمع فاعلين سينمائيين مغاربة وإيفواريين، هذه خلاصاته.
اتفق سينمائيون مغاربة وإيفواريون، الثلاثاء، على تعزيز العمل الثنائي بين صناع السينما بين البلدين، وخلق إطار قانوني للعمل من خلال تشكيل لجان مشتركة. جاء ذلك في لقاء جمع عددا من المخرجين والمنتجين والفاعلين في المجال السينمائي من المغرب وساحل العاج، على هامش الدورة الرابعة من أسبوع الفيلم الإيفواري المنظم في إطار الدورة الثانية والعشرين للمهرجان الوطني للفيلم بطنجة، بهدف إيجاد أرضية للحوار وتبادل وجهات النضر بين الطرفين وخلق إطار للعمل والبحث.
وناقش المجتمعون في اللقاء واقع الصناعة السينمائية في البلدين من خلال عدد الإنتاحات السنوية والقاعات السينمائية المفتوحة، وأيضا الإشكالات المطروحة كغياب ثقافة سينمائية، إلى جانب عرض مشاريع مجموعة من المنتجين والمخرجين الإيفواريين الباحثين عن تمويل مشاريعهم، في وقت حرص ممثلو السينما الوطنية على تعميق النقاش واقتراح تشكيل لجنة يرعاها المركز السينمائي المغربي تسهر على مصالح السينما المغربية بساحل العاج ومصالح السينما العاجية بالمغرب، وأيضا التطرق إلى تجربة المغرب في مجال التكوين بالمجال السمعي البصري.
واقترح المخرج المغربي محمد عبد الرحمان التازي، في مداخلة في اللقاء، إنشاء خلية متخصصة في كتابة السيناريو للبحث عن مواضيع مشتركة تهم الجمهورين المغربي والإيفواري على حد سواء، والبحث عن تمويل مشترك دولي لها، ودعا الموزعين من الطرفين إلى تبادل عرض الأفلام المغربية والإيفوارية في البلدين من أجل مزيد من التقارب.
من جانبها، أوضحت ديوماند ليسون فال جونسون مديرة المكتب الوطني للسينما في كوت ديفوار، عقب اللقاء، أن اللقاء الذي عقد اليوم أثمر أشياء جميلة، وأظهر الحاجة إلى وضع إطار تنظيمي لتنفيذ التعاون الذي بدأ منذ 2011، وأضافت: "نحن هنا هذه السنة من أجل وضع الإطار التنظيمي التطبيقي الذي سيساعدنا على تفعيل التعاون والإنتاج المشترك".
التوجه المغربي نحو إفريقيا استراتيجي، انطلق قطاره في العقد الأخير من طرف صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، وقد أصبح يتخذ عناوين شتى، بما في ذلك التعاون السينمائي. وفي هذا الإطار، انطلق رسميا "أسبوع الفيلم الإيفواري" ضمن فعاليات المهرجان الوطني للفيلم بطنجة.
تخليدا للذكرى الستين للعلاقات المغربية الإيفوارية، انطلقت عشية اليوم الثالث لفعاليات المهرجان الوطني للفيلم، النسخة الرابعة من الفيلم الايفواري بالمغرب في قاعة "سينما الريف" بطنجة.
وفي كلمة ألقاها خالد سعيدي، مدير المركز السينمائي المغربي، بالمناسبة، أوضح أن انعقاد الدورة الرابعة من أسبوع الفيلم الإيفواري حدث مهم يطبع العلاقات الديبلوماسية والثقافية المتينة بين المملكة والكوت ديفوار، في إطار العمل المشترك على تعزيز التبادل السينمائي بين البلدين، وتمكين المغاربة والجالية الإيفوارية المقيمة بالمغرب من متابعة الإنتاج السينمائي الإيفواري، مؤكدا أن "العلاقات الثقافية بين البلدين ليست وليدة اليوم، فقد كانت الأفلام الإيفوارية حاضرة دائما في مهرجانات السينما المغربية".
وبحضور وفد وازن من الشخصيات السينمائية الإيفوارية، عبر السفير الإيفواري في المغرب إدريسا تراوري في كلمته عن تميز العلاقات المغربية الإيفوارية وروابط الأخوة والصداقة المتينة التي تجمع البلدين، معتبرا أن انعقاد أسبوع الفيلم الإيفواري بالمغرب ثمرةٌ للتعاون السينمائي المشترك مع المغرب، وما يوليه البلدين من اهتمام لمجال السينما.
كما أعربت دياموند ليزون فال جونسون، المديرة العامة للمكتب الوطني للسينما بكوت ديفوار، عن سعادتها باستئناف هذه التظاهرة الثقافية من جديد بعد سنتين من التوقف إثر انتشار جائحة كورونا.
وافتتح اليوم الأول من فعاليات الدورة الرابعة للفيلم الايفواري بعرض أول فيلم إيفواري طويل بعنوان "LES TROIS LASCARS"، فيما ستعرض في باقي أيام المهرجان ستة أفلام سينمائية أخرى.
مع استمرار المسابقتين الرسميتين للفيلمين الروائيين الطويل والقصير، تبرز وجوه سينمائية لأطفال أخذهم الشغف ليبصموا على التألق في أولى خطواتهم بالسينما المغربية، بتشخيص أدوار بطولية في شتى القوالب، وهو ما حرصنا على تسليط الضوء عليه.
ليس بالضرورة أن يبصم ممثل واحد على أداءٍ متميز في فيلم، لكن في الأفلام التي يجسد بطولتها طفل يكون احتمال شده أنظار الجمهور قويا، وهو ما حصل في اليوم الثالث لفعاليات المهرجان الوطني للفيلم بطنجة، حين تم عرض فيلمين روائيين أحدهما طويل والآخر قصير، المشترك بينهما هو تجسيد طفل لدور البطولة، يتعلق الأمر بفيلم "ميكا" الطويل لمخرجه اسماعيل فروخي و"زياد" القصير لمخرجه ياسين المجاهد، حيث نال الطفل "زكرياء عنان" بطولة الأول و"زياد مقتدر" بطولة الفيلم الثاني.
وبعد عرض "ميكا" بالقاعة السينمائية "روكسي" عبر الطفل زكرياء عن سعادته العارمة بتجربته الأولى في التمثيل واعتزازه بالنجاح في تشخيص دور البطولة، خصوصا بعد تنويه المتدخلين بأدائه.
في الجانب الآخر، قال الطفل زياد: "أنا سعيد جدا بعرض الفيلم الذي شخصتُ فيه دور البطولة، وأرجو أن أكون عند حسن ظن المشاهدين"، بينما تحدث المخرج في كلمته عن الصعوبات التي وجدها في التصوير، ومحدودية الإمكانيات المعتمدة، شاكرا والد الطفل زياد، الذي قدم له يد العون في إخراج الفيلم إلى الوجود.
يذكر أن مشاركة الأطفال في تشخيص الأدوار البطولية لم تكن وليدة الأمس، وأول ما يتبادر إلى الذهن في هذا الإطار؛ فيلم "علي زاوا" الذي عرض عام 2000 لمخرجه نبيل عيوش، حيث شخص فيه الأطفال دور البطولة وبالذات "هشام موسون" الذي لعب دور "أمير الشارع"، الطفل المتمرد الرافض للسلطة والتبعية، والمتطلع لتغيير أحوال معيشته.
تبقى الموسيقى التصويرية أحد أبرز التحديات الإبداعية التي تعترض الإنتاجات السينمائية المغربية، خاصة مع الدور المهم لهذا العنصر الإبداعي في إضفاء الجمالية والرمزية الفنية على المشاهد المصورة، وهو ما حاول متدخلون في ندوة "الموسيقى التصويرية، أي موقع إبداعي في الفلم المغربي؟"، الإجابة عنه.
الأهمية الرمزية للموسيقى التصويرية تصطدم في المغرب مع غياب حس فني تجاهها. هذا ما حرص متدخلون على توضيحه في ندوة ضمن فعاليات مهرجان الفيلم بطنجة، حيث قال رئيس اتحاد المخرجين والمؤلفين المغاربة المخرج عبد الإله الجوهري، إن الفيلم يحتاج في صناعته لعدة عناصر لا تقل أهمية كل منها على حدة، في مقدمتها الموسيقى التصويرية التي تشكل نسبة 30 في المائة من صناعة الفيلم، والتي لا يحسن توظيفها في السينما المغربية، حيث تبقى آخر هموم المخرج الذي يشغله كتابة السيناريو والتصوير قبل أي شيء آخر، وهو الأمر الذي يخلق نوعا من التباعد الرمزي بين الفيلم والموسيقى التصويرية الموظفة.
وأوضح الجوهري خلال ندوة بعنوان "الموسيقى التصويرية، أي موقع إبداعي في الفيلم المغربي؟"، نظمها اتحاد المخرجين والمؤلفين المغاربة الاثنين، ضمن فعاليات الدورة الـ22 للمهرجان الوطني للفيلم بطنجة، أن اللقاء يستهدف توعية وتحسيس المبدعين السينمائيين المغاربة من أجل دفعهم لاحترام دور الموسيقى التصويرية في أفلامهم وأن لا تبقى آخر همومهم، خاصة أن المغرب بلد غني بالموروثات الموسيقية الإبداعية والأهازيج الشعبية، الأمر الذي يدفع لتوظيفه وإبرازه للعالم، يضيف المتحدث.
من جانبه، قال الكاتب والناقد السينمائي إدريس القري أن الندوة تطرح سؤالا محوريا يلمس واحدة من أهم المشاكل التي تعرفها الصناعة السينمائية بالمغرب، وهو مركزية الموسيقى التصويرية في الصناعة السينمائية، وأضاف أن الأفلام تعرف توظيفا غير سليم للموسيقى التصويرية التي يقف دورها عند المصاحبة وتأثيث المشاهد لا غير.
وتتابع موضحا: "حتى إن خرقت الموسيقى حدودها فهي لا تنجح سوى في تقريب المشاهد لبعض المواقف الدرامية، وهو الأمر الذي يبقى غير كافي، في ظل غياب تأليف موسيقى خالصة للفيلم والاقتصار على اختيار بعض المقاطع الموسيقية وتوظيفها بشكل عشوائي، وإن ظهرت بعض الأعمال المغربية النادرة التي نجحت في إضفاء طابع الرمزية الموسيقية في أفلامهم".
وخلال أطوار الندوة، ناقش متدخلون الإكراهات الفنية والإبداعية وأيضا المادية التي تحول دون تحقيق الرمزية الموسيقية في إنتاجاتهم، وكذا سبل ومراحل التوظيف السليم للموسيقى التصويرية التي تعد من الركائز المهمة من أجل إنجاح الأعمال السينمائية وإضفاء الطابع الإبداعي عليها، إلى جانب رغبة المنظمين للقاء تحسيس وتوعية المخرجين المغاربة بضرورة العناية بهاته الركيزة إلى جانب الركائز الأخرى.
ويعمل المهرجان الوطني للفيلم من خلال عقد لقاءات وورشات بين مهنيي وفاعلي القطاع السينمائي المغربي جس النبض حول الإكراهات والمعيقات التي يشهدها القطاع، والخروج في الأخير بخلاصات ونتائج وحلول تسعى للإجابة بشكل دقيق على كل هذه الإشكالات.